أكدت دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات للباحثة مي صلاح، أن مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم الثلاثاء في القمة الثلاثية التاسعة التي تجمع بين مصر والصديقتين اليونان وقبرص، تأتى لتعزيز العلاقات المتميزة بين الدول الثلاث، وفى إطار حرص مصر على دعم وتعميق العلاقات المتميزة بين البلدان الثلاثة وتفعيل أطر التعاون القائمة بينهم.
وذكرت الدراسة أن الرئيس السيسي أشاد بالنجاح الكبير الذى حققته آلية التعاون الثلاثي بين البلدان الثلاثة حتى الآن، وبأهمية التشاور الدورى والتنسيق الوثيق حول الملفات الإقليمية والدولية المؤثرة على البلاد وكافة شعوب المنطقة، والذى أثمر بعد ذلك عن مشروعات كبيرة شيدت على أرض الواقع، بمختلف القطاعات الاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية، وتهدف القمة إلى دعم وتعميق التشاور السياسى بين الدول حول سبل التصدي للتحديات التي تواجه منطقتي الشرق الأوسط والشرق المتوسط.
تحديات وأزمات
تحدث السيسي في كلمته خلال افتتاح القمة الثلاثية عن الأزمات والتحديات الطارئة التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة مثل حرائق الغابات، ومن قبلها “كورونا” الجائحة المتسببة في التحديات الصحية والاقتصادية الصعبة والتي أثرت على العالم أجمع في تحقيق التنمية وتحسين مستوى المعيشة، مشيداً بجهود الشركاء اليونانيين والقبارصة بتقديمهم شحنات التطعيمات ضد فيروس ” كورونا”، والتي تصل إلى 250 ألف جرعة، والتى أثبتت مدى تضامنهم مع مصر في وقت الشدة.
آفاق واعدة لتعزيز روابط التعاون
ومن خلال كلمته أكد الرئيس السيسي أنه استناداً إلى حرص مصر المتبادل على الاستفادة القصوى من الإمكانيات والموارد التي تؤهلها لتحقيق تطلعات شعبها نحو المزيد من الرفاهية والرخاء، فقد أسهمت آلية التعاون الثلاثي في الاتفاق على مشروعات للتعاون في قطاعات الطاقة والسياحة والنقل والزراعة والبيئة ومواجهة التغير المناخى، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على قوة العلاقات بين الدول الثلاث التي تعكس قوة التلاقي السياسي بينهم.
وتحدث الرئيس عن تعزيز التعاون بين الدول الثلاث ولا سيما في مجال الطاقة الواعد والذي توليه مصر اهتماماً خاصاً سواءً بشقها التقليدي أو ارتباطاً بمصادرها المتجددة، هذا وقد تم توقيع الاتفاق الثلاثي في مجال الربط الكهربائي، وذلك بعد إبرام اتفاقيتين ثنائيتين لربط الشبكة الكهربائية في مصر مع كل من اليونان وقبرص على المستوى الثنائي، تمهيداً للهدف المشترك القادم وهو الربط الكهربائي مستقبلاً مع بقية أرجاء القارة الأوروبية.
وعلى هامش القمة الثلاثية، تم توقيع مذاكرات تفاهم بين مصر وقبرص واليونان، وذلك بين مكتب المفوض الرئاسي بالجمهورية القبرصية وبين وزارة الخارجية اليونانية وبين وزارة الهجرة وشؤون المغتربين بجمهورية مصر العربية، للتعاون في مجال المغتربين، الذي يرسخ الرؤية المصرية في إرساء دعائم التعاون القائم على المصالح المتبادلة بين الشعوب الثلاثة، فاليونان وقبرص كان لهم الآلاف من الرعايا الذين عاشوا في مصر لعقود طويلة، ويوجد الآلاف من المصريين الذي يعيشون في قبرص واليونان حاليا، فهذه المذكرة تفتح المجال للاستفادة من الخبرات المتبادلة للمغتربين في الدول الثلاثة والحفاظ على حقوقهم وتحسين أوضاعهم.
وأعرب رئيس الوزراء اليونانى نيكوس ديندياس، أن المذكرات الموقعة لا تقتصر فقط على كونها نقطة التقاء لمصالح اليونان فقط أو كونها أولوية استراتيجية لها، ولكنها جسر من مصر إلى أوروبا، حيث تستطيع مصر أن تقوم بدور محوري بما يتعلق بموضوع الأمن الخاص بالطاقة في أوروبا، لا سيما فيما نشهده من اضطرابات جسيمة في سوق الطاقة، حيث نجد مصر تشارك بفاعليه في شبكة نقل وتوزيع مصادر الطاقة والغاز الطبيعي، وفي سعينا نحو تنويع مصادر الطاقة، فإن مصر ستكون هي المورد الأساسي للطاقة الناجمة عن الطاقة الشمسية وتصل إلى أوروبا عبر اليونان. وبذلك سوف تكون الدول الثلاث هي بمثابة مركز هام للطاقة في منطقة البحر المتوسط، فإن آفاق التعاون الذي يحدث بين البلاد الثلاث هي كبيرة مثل البحر المتوسط الذي يوحد فيما بينهم.
وأشار الرئيس السيسي إلى أهمية تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط ذلك الكيان الذي نعول عليه جميعا من أجل حسن التخطيط لمشروعات التعاون الإقليمي، وتعظيم الاستفادة من مخزون الغاز الطبيعي والثروات الهيدروكربونية من قبل الدول الأعضاء وشعوب المنطقة، وأنه علينا إيجاد زخم موازٍ فيما يتصل بمسعى إنشاء خط أنابيب بحري لنقل الغاز الطبيعي من حقل ” أفروديت” القبرصي إلى محطتي الإسالة المصريتين بدمياط وأدكو، وذلك لتوريد الغاز المسال من مصر إلى اليونان، ومنها لاحقاً إلى كثير من أسواق دول أوروبا، وذلك بما يتسق مع قواعد القانون الدولي ومبدأ احترام سيادة الدول على أقاليمها ومواردها.
القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المتبادل
أكد الرئيس على أهمية تناول عدد من القضايا ذات الاهتمام المتبادل، وفي مقدمتها ملف الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، وأكد على ضرورة احترام وحدة وسيادة بلدان المنطقة وعدم التدخل في شئونها الداخلية. كما أكد على دعم مصر المتجدد لمساعي جمهورية قبرص في إيجاد حل شامل وعادل للقضية القبرصية، وذلك استناداً على القرارات الشرعية الدولية ومجلس الأمن، على النحو الذي يؤدي إلى إعادة توحيد شطريّ الجزيرة، مؤكداً على أهمية التزام كافة الأطراف المعنية بعد انتهاك المياه الإقليمية أو المجال الجوي سواء لجمهورية قبرص أو اليونان، فمراعاة الأمن البحري لكل دولة هو جزء من الأمن الإقليمي.
ففي ديسمبر ٢٠٢٠، نشرت الأمم المتحدة، نص الاتفاق الموقع بين مصر واليونان لترسيم الحدود البحرية جزئيا، فيما يعد اعترافًا رسميًا بالاتفاق بعد إيداعه من قبل سامح شكري وزير الخارجية المصري ونظيره اليوناني نيكوس ديندياس، في شعبة الأمم المتحدة لشئون المحيطات وقانون البحار.
وقال موقع الأمم المتحدة الرسمي، الذي نشر الاتفاق ممهورا بختم المنظمة الأممية، إن الاتفاق تم توقيعه في 6 أغسطس 2020، ويحدد المنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط بين البلدين، والتي تمنح القاهرة وأثينا حقوقا في الموارد الطبيعية بالمنطقة.
أمن مصر المائي واستقرار المنطقة
شدد الرئيس السيسي على ما توليه مصر من أولوية قصوى لمسألة حقوقها في مياه نهر النيل، باعتبارها قضية مصيرية تستوجب بذل كافة الحقوق الممكنة للتوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملئ وتشغيل سد النهضة الاثيوبي. وقد أطلع الرئيس السيسي نظيريه اليوناني والقبرصي على آخر المستجدات في الوصول لحل عادل لهذه القضية والجهود المبذولة في مواجهة التعنت غير المبرر أو المقبول من إثيوبيا.
وتناقش الرئيس ونظيريه حول الملفات المهمة المتماسة مع أمن مصر القومي بشكل مباشر، وعلى رأسهم القضية الفلسطينية وإحياء السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، فاليونان هي إحدى دولتين فقط في أوروبا التي اعترفت بالدولة الفلسطينية وأن عاصمتها القدس الشرقية، وبالتالي فالدول الثلاث تدعم حل الدولتين وحق إقامة الدولة الفلسطينية وتقرير المصير للشعب الفلسطيني، وأكد الرئيس السيسي أن مصر حرصت على احتواء التصعيد الأخير بين الفلسطينيين والإسرائيليين من منطلق مسؤوليتها التاريخية في الدفع نجو إيجاد حل عادل وشامل للصراع على أساس حل الدولتين.
بالإضافة إلى الملف الليبي الذي تم التوصل من خلاله إلى ضرورة إجراء الانتخابات الليبية في موعدها يوم 24 ديسمبر القادم وأن يقرر الشعب الليبي مصيره وخروج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة والميليشيات وغيرها، وعدم التدخل في شؤون الدولة الداخلية الليبية، بما يعيد لليبيا سيادتها ووحدتها ويحفظ سلامة أراضيها ويرسخ قرارها بيد أبنائها.
كما أكدت الدول الثلاث على دعم الاستقرار في أفغانستان بشكل عاجل والأوضاع في سوريا والتصدي للتنظيمات الإرهابية هناك، فقد جددت القمة الثلاثية الدعم لجهود المبعوث الأممي إلى سوريا بغية التوصل إلى تسوية سلمية على أساس قرارات مجلس الأمن ذات الصلة مع التمسك بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامتها الإقليمية، ورفض محاولات فرض الأمر الواقع عبر انتهاك السيادة السورية، ومحاولة إجراء تغيرات ديموغرافية قصرية في بعض مناطق البلاد، بالإضافة إلى سبل دعم لبنان الشقيق ببذل كل جهد صادق يرفع المعاناة عن كاهل الشعب اللبناني ويسهم في تحقيق الاستقرار وتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.
الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان
باعتبار الشراكة الثلاثية جسراً من التفاهم والتناغم عبر ضفتي المتوسط، فقد استعرض الرئيس الخطوات المهمة التي قامت بها مصر في ملف حقوق الانسان بعد انطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان في سبتمبر الماضي، مؤكداً على أهمية استعراض الشركاء الأوربيين على هذه التطورات المهمة، كي تتضح مساعي الدولة المصرية لإعلاء حقوق وكرامة مواطنيها، والتركيز على تحقيق نقلة نوعية في جودة حياة الانسان الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وتمكين الدول من توفير المناخ الآمن والمستقر الذي يمارس فيه المواطن كافة حقوقه المقررة بالدستور والقانون.
الإرهاب والهجرة غير الشرعية
تحدث الرئيس السيسي وشركائه عن خطورة ظاهرة الإرهاب التي تحرم شعوب المنطقة امن أبسط حقوقها الإنسانية، وهو حق الأمن والعيش الكريم، فمصر تبدأ بمكافحة الأيدلوجية الخاطئة للفكرة، مروراً بالتمويل لها ووصولاً إلى الفعل الإرهابي، فهي بالفعل مثال يحتذى به في هذا الملف، والعالم ينظر باحترام كبير للتجربة المصرية في مواجهة آفة من الآفات التي واجهتها وهي الإرهاب وما فعلته من تعطيل التنمية وضرب المشروعات الاقتصادية ومنع لاستثمار من التدفق وإشاعة حالة من عدم الاستقرار في المنطقة. وتحدث عن الهجرة غير الشرعية التي لا تقل عن الإرهاب خطورة وما يرتبط بها من أنشطة الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر. وأعرب عن تفهمه للأهمية التي يوليها الشركاء اليونانيين والقبارصة أمام هذه الظواهر المهددة للاستقرار، وأن علينا بذل كل جهد ممكن للحد من تداعياتها وأن مصر تتحمل جميع الأعباء المادية لمواجهة هذه الظواهر عن طيب خاطر، إسهاما منها في دعم الاستقرار المالي والدولي.
كما أشاد رئيس الوزراء اليوناني في خطابه بالموقف الهادئ الذي تتبعه مصر التي لم تطلب أي مقابل في مجال معالجة تدفقات اللاجئين بل إنها تحارب شبكات تهريب اللاجئين، فمصر نموذج يحتذى به بعيداً عن أي سلوكيات تحاول استغلال هذه القضية.
واختتمت الدراسة أنه تعتبر آلية التعاون الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان هي واحدة من أفضل أطر التعاون والتنسيق النموذجي بين الدول التي تحترم وتحقق مصالح شعوبها، منذ بدؤه في 2014 وإلى ما نصل إليه اليوم من نتائج، يضعه كأحد ركائز التعاون العربي الإفريقي الأوروبي، فالرئيس السيسي عزز القوى الإقليمية وكذلك الدولية لمصر، مما جعل من البلد ركيزة استقرار ومصدر أمان يسعى الكل لنسج العلاقات الفاعلة معها.