يهدد الصراع بين الجنرالات المتنافسين في السودان الدول الأفريقية المجاورة التي تكافح بالفعل مع تدفق اللاجئين والمتمردين المسلحين على حدودها، ويشكل عوامل ضغط هائلة على اقتصادات الدول المجاورة.
ويتوقع مراقبون، أنه إذا طال أمد الحرب الدائرة منذ أسبوعين بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، فإن تداعياتها على المنطقة ستكون وخيمة. إذ يمكن للميليشيات العرقية وحركات التمرد المناهضة للحكومة والجماعات شبه العسكرية والمرتزقة الروس الذين يعملون في الأراضي الحدودية التي يسهل اختراقها والغنية بالمعادن استخدام الأزمة لشن هجمات أو إثارة التمردات.
من جانبه، قال رئيس الوزراء السابق لجمهورية إفريقيا الوسطى، أنسيت جورج دولوجيل: “المنطقة لديها الكثير من الذهب والألماس، والجماعات المسلحة تمول عملياتها من خلال هذه الموارد. وأخشى أن يكون هذا عامل جذب”، وفقاً لما ذكرته لوكالة “بلومبرغ”، واطلعت عليه “العربية.نت”.
تقع جمهورية إفريقيا الوسطى إلى الجنوب الغربي من السودان، وهي واحدة من 7 دول على الحدود معها، إلى جانب مصر، وليبيا، وتشاد، وجنوب السودان، وإثيوبيا، وإريتريا. وتعامل العديد من الدول في السنوات الأخيرة مع مزيج من الصراع المستمر وانعدام الأمن الغذائي والتمرد المسلح والاضطرابات المدنية.
وقال محللون إن تشاد وجنوب السودان في خطر مباشر من الصراع في السودان. وتقدر الأمم المتحدة أن البلدين، اللذان يصنفان من بين أفقر دول العالم، قد يستقبلان ما يصل إلى 270 ألف لاجئ في الأسابيع المقبلة.
حركات تمرد وآثار غير مباشرة
من جانبه، قال القائم بأعمال وزير خارجية جنوب السودان، دينق داو دينغ: “الآثار غير المباشرة مرئية بالفعل، حيث وصل آلاف الأشخاص إلى الدول المجاورة، بما في ذلك جنوب السودان”.
فيما صدت تشاد، وهي حليف غربي رئيسي في الحرب ضد الإرهاب ودرع ضد تنامي النفوذ الروسي في المنطقة، في السنوات الأخيرة محاولتين انقلابيتين خطيرتين انبثقتا عن الحدود في إقليم دارفور بالسودان، حيث اشتعل القتال العرقي بالفعل، وسقط عشرات القتلى خلال الحرب الحالية.
بدورها، قالت محللة النزاعات المستقلة في السودان، سارة مجدوب، إن العديد من الجماعات المتنافسة في دارفور “قد يكون لها أيضاً صلات عبر الحدود في تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى”.
وبعد فترة وجيزة من اندلاع القتال في العاصمة السودانية الخرطوم في 15 أبريل، أغلقت تشاد حدودها ونشرت قوات عند نقاط التفتيش.
وقال رئيس الوزراء التشادي صالح كبزابو عبر الهاتف من العاصمة نجامينا “المتمردون قد يحاولون دخول تشاد. يمكنهم الانضمام إلى الجماعات الموجودة بالفعل على حدود تشاد”.
فيما يرى الباحث في إفريقيا الوسطى، جون ليشنر، ومقره واشنطن، إن علاقة السودان بجيرانه “غير متكافئة للغاية في الوقت الحالي”. “فما يحدث في الخرطوم سيكون له تأثير في جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد، في حين أن هذه الدول لديها سيطرة ضعيفة على الوضع في الخرطوم”.
مناطق غنية بالذهب
ومن بين الجماعات المسلحة العاملة في المنطقة شركة فاغنر غروب الروسية شبه العسكرية، ولها قوات في السودان وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، حيث تشارك في تجارة الماس والذهب. كما أن للمجموعة علاقات بمنشأة لمعالجة الذهب خارج عطبرة في السودان، وفقاً لعقوبات الاتحاد الأوروبي الأخيرة.
وساعد المقاتلون الأجانب حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى على تأمين منطقتها الشمالية الغنية بالذهب والتي تعج بالجماعات المسلحة، وبعضها له صلات بالمتمردين في غرب دارفور. وتؤكد حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى أن القوات الروسية الوحيدة في البلاد هم مدربون غير مسلحين.
الأزمة الإنسانية
وتشهد هذه الحدود الآن تدفقاً للاجئين الفارين من العنف في السودان، مع وصول ما لا يقل عن 30 ألف شخص إلى تشاد وجنوب السودان حتى الآن، إلى جانب 16 ألفاً فروا شمالاً إلى مصر، وفقاً للسلطات.
نزحت الحرب أكثر من مليوني شخص في جنوب السودان، ويحتاج حوالي ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 11 مليون نسمة إلى مساعدات إنسانية.
وفي جمهورية إفريقيا الوسطى المجاورة، تضاعفت أسعار المواد الغذائية الأساسية منذ بدء القتال في السودان. كما وصل أكثر من 12000 لاجئ من السودان إلى جمهورية إفريقيا الوسطى في الأيام الأخيرة، ويتجمع المزيد من الناس على الحدود، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وقال دولوجويل: “الوضع مقلق للغاية. ليس لحكومتنا أي نفوذ فيما يحدث في الخرطوم. سيكون علينا فقط أن نواجه الأزمة، أو بالأحرى عندما تصل إلينا”.
تصنيف دول الجوار
وكواحدة من الآثار غير المباشرة، فقد أفادت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني أن امتداد الاشتباكات في السودان لفترة مطولة هو خطر متزايد وسيكون له تأثير ائتماني سلبي على البلدان المجاورة، وبنوك التنمية متعددة الأطراف المنكشفة على ديون هذه الدول.
وأضافت “موديز” أنه في حال تطور الاشتباكات في السودان إلى حرب أهلية طويلة ودمار البنية التحتية وتدهور الأوضاع الاجتماعية، سيؤدي ذلك إلى عواقب اقتصادية طويلة المدى وتراجع جودة أصول البنوك متعددة الأطراف في السودان إلى جانب ارتفاع القروض المتعثرة والسيولة.
وأوضحت أن أي امتداد إلى البلدان المجاورة أو تدهور عام في البيئة الأمنية للمنطقة من شأنه أن يثير مخاوف أوسع بشأن جودة الأصول لبنوك التنمية متعددة الأطراف ذات التركيز الأعلى على قروض في تشاد، وجنوب السودان، وإثيوبيا، ومصر.