قال الباحث الإسرائيلي راز سيغال، الأستاذ المتخصص في المحرقة والإبادة الجماعية بجامعة ستوكتون الأمريكية، إن ما تقوم به “إسرائيل” في غزة نموذج كامل للإبادة الجماعية، طبقا للقانون الدولي، حسب موقع “جويش كارنتس” اليهودي، ومقابلة عبر الفيديو مع موقع “ديموقراسي ناو” الأمريكي.
جريمة الإبادة الجماعية
وفي مقاله “جريمة إبادة جماعية طبقا لتعريفها” على موقع مجلة “جويش كارنتس” المتخصصة بالدراسات اليهودية، يقول “سيغال”: طبقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإبادة الجماعية الصادرة في ديسمبر 1948، وبموجب القانون الدولي، يتم تعريف جريمة الإبادة الجماعية على أنها أعمال ترتكب بـ”قصد التدمير، كليًا أو جزئيًا، لمجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بسبب صفتها هذه”.
ويضيف “سيغال”، تدرج هذه الاتفاقية خمسة أفعال تندرج تحت تعريفها، وترتكب “إسرائيل” حالياً ثلاثاً من هذه الجرائم في غزة، وهي:
1. قتل أفراد مجموعة بشرية.
2. التسبب في ضرر جسدي أو عقلي جسيم لأفراد مجموعة بشرية.
3. إخضاع مجموعة بشرية عمداً لأحوال معيشية يقصد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
استغلال المحرقة والتهديد بمعادة السامية
ويضيف “سيغال”، أقول هذا كباحث في الإبادة الجماعية، أمضى سنوات عديدة في الكتابة عن العنف الجماعي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، فقد كتبت عن الاستعمار الاستيطاني ومزاعم التفوق اليهودي في “إسرائيل”، واستغلال المحرقة لتعزيز صناعة الأسلحة الإسرائيلية، واستخدام اتهامات معاداة السامية كسلاح لتبرير العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
أدلة على ارتكاب “إسرائيل” للإبادة الجماعية
في أعقاب الهجوم المروع الذي شنته حماس يوم السبت 7 أكتوبر والقتل الجماعي لأكثر من ألف مدني إسرائيلي، فإن أسوأ ما في الأمر يحدث الآن، ففي هجومها القاتل على غزة، أعلنت “إسرائيل” بصوت عال عن نيتها بالإبادة الجماعية، فقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ذلك بعبارات لا لبس فيها في 9 أكتوبر، حين قال: “إننا نفرض حصاراً كاملاً على غزة. لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود. كل شيء مغلق. نحن نقاتل حيوانات بشرية، وسنتصرف وفقًا لذلك”.
كما كثفت إسرائيل حصارها المستمر منذ 16 عاماً على غزة ــ وهو الأطول في التاريخ الحديث، في انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي ــ إلى حد “الحصار الكامل”، على حد تعبير “غالانت”.
وهذا ما جاء بتعريف الإبادة الجماعية بـ”إخضاع مجموعة بشرية عمداً لأحوال معيشية يقصد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً”.
القتل المتعمد لعدد كبير
ويواصل “سيغال” قائلاً: خلال الأسبوع الماضي، أدى العنف الإسرائيلي ضد غزة إلى مقتل أكثر من 1800 فلسطيني، وإصابة الآلاف، وتشريد أكثر من 400 ألف داخل القطاع، ومع ذلك، وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن ما رأيناه هو “البداية فقط”.
ويقول “سيغال”، لقد أسقطت القوات الجوية الإسرائيلية، حسب روايتها الخاصة، حتى الآن (خلال الأسبوع الماضي فقط) أكثر من 6000 قنبلة على غزة، التي تعد واحدة من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم – وهو عدد من القنابل يماثل تقريبا ما أسقطته الولايات المتحدة على أفغانستان بأكملها خلال فترة قياسية، تقدر بعامين كاملين سنوات من حربها هناك، حيث أسقطت الولايات المتحدة أكثر من 7000 قنبلة على أفغانستان في عامي 2018 و2019.
وحسب “سيغال”، فقد تأكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من أن الأسلحة المستخدمة شملت قنابل فسفورية، أشعلت النار في الجثث والمباني، مما أدى إلى ظهور لهب لا ينطفئ عند ملامسة الماء.
ويشرح “سيغال” قائلاً: هذا يبين بوضوح ما يعنيه “غالانت” بعبارة “التصرف وفقاً لذلك”، أي عدم استهداف أفراد من مقاتلي حماس فقط، كما تزعم “إسرائيل”، بل إطلاق العنان للعنف المميت ضد الفلسطينيين جميعًا في غزة، بلغة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإبادة الجماعية.
تهجير سكان غزة نكبة جديدة
ويؤكد “سيغال” أن الحملة التي تشنها “إسرائيل” لتهجير سكان غزة – وربما طردهم تماما إلى مصر – هي فصل آخر في النكبة، التي طرد فيها ما يقدر بنحو 750 ألف فلسطيني من منازلهم خلال حرب عام 1948 التي أدت إلى إنشاء “إسرائيل”.
ويوم الجمعة الماضي، أمرت “إسرائيل” السكان المحاصرين في النصف الشمالي من قطاع غزة بالإخلاء إلى الجنوب، محذرة من أنها ستكثف قريبا هجومها على النصف العلوي من القطاع. وقد ترك هذا الأمر أكثر من مليون شخص، نصفهم من الأطفال، يحاولون الفرار بشكل محموم وسط الغارات الجوية المستمرة، في جيب مسور حيث لا توجد وجهة آمنة.
وحذرت الأمم المتحدة من أن فرار الأشخاص من الجزء الشمالي من غزة إلى الجنوب سيخلق “عواقب إنسانية مدمرة” وسيحول “ما هو بالفعل مأساة إلى وضع كارثي”.
هذا التحول في السياسة يشير بوضوح إلى خطة لإيصال الحصار إلى وجهته النهائية المتمثلة في التدمير المنهجي للفلسطينيين والمجتمع الفلسطيني في غزة، من خلال قتلهم وتجويعهم وقطع إمدادات المياه عنهم وقصف مستشفياتهم.
“إسرائيل” صريحة لكن العالم لا يستمع
يؤكد “سيغال”، أن هجوم الإبادة الجماعية الذي تشنه “إسرائيل” على غزة واضح تماماً، ومفتوح، ولا تخجل منه، رغم أنه عادة لا يعبر مرتكبو جرائم الإبادة الجماعية عن نواياهم بشكل واضح، لكن قادة “إسرائيل” فعلوا ذلك، بشكل صريح، كما جاء بتصريحات “نتنياهو” و”غالانت”، لكن العالم لا ينصت لما يقولون.
قادة العالم عززوا الخطاب العنصري لـ”إسرائيل”
وحسب “سيغال”، فقد عزز القادة في الغرب هذا الخطاب العنصري عقب هجوم 7 أكتوبر ، والقتل الجماعي الذي ارتكبته حماس ضد المدنيين الإسرائيليين ــ وهو جريمة حرب بموجب القانون الدولي وأثارت بحق الرعب والصدمة، حيث وصف قادة الغرب هذا العمل باعتباره “عملاً من أعمال الشر المطلق”، على حد تعبير الولايات المتحدة. الرئيس جو بايدن، أو كخطوة تعكس “شراً قديماً”، على حد تعبير رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وهذه التصريحات أيدت الخطاب العنصري الإسرائيلي.
ويعلق “سيغال” قائلاً: من الواضح أن هذه اللغة اللاإنسانية تهدف إلى تبرير التدمير واسع النطاق لحياة الفلسطينيين؛ إن تأكيد “الشر” في مطلقه، يلغي التمييز بين مقاتلي حماس والمدنيين في غزة، ويحجب السياق الأوسع للاستعمار والاحتلال.
عنصرية الشعب الإسرائيلي
وليس قادة إسرائيل وحدهم من يستخدمون مثل هذه اللغة، بل الشعب الإسرائيلي والنخب أيضا، وقد دعا أحد الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلة في “القناة 14 ” المؤيدة لنتنياهو “إسرائيل” إلى “تحويل غزة إلى دريسدن”، التي تعرضت لقصف مكثف في الحرب العالمية الثانية قتل فيه حوالي 27 الف من السكان، ونشرت القناة 12، المحطة الإخبارية الأكثر مشاهدة في “إسرائيل”، تقريرًا عن إسرائيليين ذوي ميول يسارية يدعون إلى “الرقص على ما كان يسمى غزة”، وفي الوقت نفسه، أصبحت أفعال الإبادة الجماعية – الدعوات إلى “محو” و”تسوية غزة بالأرض – منتشرة في كل مكان على وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية. وفي تل أبيب، شوهدت لافتة كتب عليها “صفر سكان في غزة” معلقة على أحد الجسور.